تحسين التربة بالجبس والتبن في المناخات الجافة

تحسين التربة بالجبس والتبن في المناخات الجافة

فهم تحديات الزراعة و تحسین التربة في المناخات الجافة

تُعد الزراعة في المناطق الجافة مثل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأجزاء من آسيا القاحلة من أكثر أنواع الزراعة تحديًا. فالتربة في هذه المناطق غالبًا ما تعاني من ضعف البنية وقلة المادة العضوية وارتفاع معدلات التبخر. ومن دون حماية مناسبة، يمكن أن تتعرض الطبقة السطحية الثمينة من التربة للتعرية بفعل الرياح، بينما يتبخر الماء قبل أن تستفيد منه النباتات.

ولمواجهة هذه الظروف القاسية، بدأ العديد من المزارعين في اعتماد مزيج من الجبس الزراعي والتغطية العضوية (المولش) والمحاصيل الغطائية — وهي مجموعة من الممارسات التي تعمل معًا لتحسين صحة التربة والحفاظ على الرطوبة بطريقة مستدامة.

دور الجبس في تحسين التربة

يُعتبر الجبس الزراعي (كبريتات الكالسيوم ثنائية الماء) من أفضل مُحسِّنات التربة في البيئات الجافة. فهو يُحسِّن تماسك التربة، ويُقلِّل من انضغاطها، ويزيد من قدرتها على امتصاص المياه.

اقرأ المقال “الجبس الزراعي في الزراعة الصحراوية

يساعد الكالسيوم الموجود في الجبس على تجميع جزيئات التربة لتكوين بنية حُبيبية تسمح بمرور الهواء والماء بسهولة عبر منطقة الجذور. كما يساهم الجبس في غسل الأملاح الزائدة التي تتراكم عادةً في التربة المروية في المناطق القاحلة، مما يقلل الملوحة ويخلق بيئة أفضل لنمو الجذور والكائنات الدقيقة المفيدة.

وعندما يُستخدم الجبس إلى جانب ممارسات عضوية مثل التغطية والمحاصيل الغطائية، تتضاعف فوائده. فالجبس يُحسِّن البنية الفيزيائية للتربة، بينما تُضيف المواد العضوية التوازن الكيميائي والبيولوجي، مما يخلق نظامًا تربيًا أكثر مرونة واستدامة.

التغطية العضوية: تقليل التبخر وحماية السطح

تعني التغطية (Mulching) وضع طبقة من مواد عضوية أو صناعية على سطح التربة لحمايتها من الحرارة والتبخر. ففي المناخات الجافة، تصل درجات حرارة سطح التربة المكشوفة إلى مستويات عالية تؤدي إلى فقدان سريع للرطوبة.

تعمل طبقة المولش كدرع واقٍ، تقلل التبخر وتُوازن درجة حرارة التربة.

وعند استخدامها مع سماد الجبس الزراعي، تتعزز الفوائد بشكل كبير؛ إذ يُحسِّن الجبس امتصاص المياه، بينما تحتفظ التغطية بالرطوبة لفترة أطول في منطقة الجذور. يلاحظ المزارعون الذين يستخدمون القش أو بقايا المحاصيل أو السماد العضوي كتغطية توازناً أفضل في الرطوبة وانخفاضًا في الحاجة إلى الري المتكرر. كما تُساعد التغطية في منع تكون القشرة السطحية والتآكل بفعل الرياح أو الأمطار المفاجئة.

المحاصيل الغطائية: درع طبيعي للتربة

Cover Crops

تعمل المحاصيل الغطائية مثل البقوليات والبرسيم والأعشاب القوية كغطاء حي يحمي التربة ويُغذيها بالمواد العضوية. في البيئات الجافة، تمنع هذه المحاصيل التآكل، وتُثبّت النيتروجين، وتُضيف الكتلة الحيوية عند تحللها.

يتكامل دور الجبس مع المحاصيل الغطائية من خلال تحسين بنية التربة وزيادة معدل نفاذ المياه، مما يسمح لجذور المحاصيل الغطائية بالنفاذ بعمق أكبر والاستفادة من الرطوبة المتوفرة.

وعندما تتحلل بقايا هذه المحاصيل، تتفاعل مع الجبس لتكوين تجمعات تربة أكثر استقرارًا وغنىً بالعناصر الغذائية، مما يعزز الخصوبة ويحفز النشاط الميكروبي والتوازن الكربوني على المدى الطويل — وهي أهداف رئيسية للزراعة المستدامة في الأراضي الجافة.

كيفية دمج الجبس والتغطية والمحاصيل الغطائية عمليًا

للحصول على أفضل النتائج، يجب أن يبدأ المزارعون بإجراء تحليل للتربة لتحديد احتياجاتها من الجبس. عادةً ما يكون استخدام 1 إلى 2 طن لكل فدان قبل التغطية أو زراعة المحاصيل الغطائية فعالًا للغاية.

بعد نثر الجبس، يُنصح بدمجه خفيفًا في الطبقة العليا من التربة أو ترك مياه الري أو الأمطار تنقله تدريجيًا للأسفل.

ثم تُوضع طبقة تغطية بسماكة 2–3 سنتيمترات من بقايا المحاصيل أو القش أو السماد العضوي. بعد ذلك، تُزرع المحاصيل الغطائية المناسبة للمناخ المحلي، مثل الشعير أو البرسيم أو الفصة.

ومع مرور الوقت، يُحسِّن هذا النظام المتكامل قدرة التربة على الاحتفاظ بالمياه، ويُقلل الانضغاط، ويُعزز الخصوبة بطريقة طبيعية.

الفوائد طويلة الأمد والاستدامة

إن الجمع بين الجبس والتغطية والمحاصيل الغطائية يُحدث تحسُّنًا مستدامًا في التربة. فالمزارعون يلاحظون زيادة في الكربون العضوي، وتربة أكثر تماسكًا، وقدرة أكبر على مقاومة الجفاف والملوحة.

كما يُقلل هذا النظام من الحاجة إلى الأسمدة الكيميائية، ويُعزز التنوع الحيوي، ويُحسِّن كفاءة استخدام المياه — وهي ميزة أساسية للزراعة في المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية.

ومع مرور المواسم، تُظهر الأراضي المعالجة بهذه الممارسات معدلات أفضل لتغلغل المياه، وانخفاضًا في الجريان السطحي، ونموًا أقوى للجذور. وبفضل الاحتفاظ بالرطوبة لفترات أطول، يمكن للمزارع أن يحقق إنتاجًا مرتفعًا ومستدامًا حتى مع محدودية مياه الري.

الخلاصة

في المناطق الجافة، حيث تُعتبر كل قطرة ماء ثمينة، يُقدِّم دمج الجبس الزراعي مع التغطية والمحاصيل الغطائية استراتيجية فعّالة لحماية التربة وزيادة الإنتاج على المدى الطويل.

يُحسِّن الجبس بنية التربة والصرف، وتُقلل التغطية فقدان الماء، وتُعيد المحاصيل الغطائية الحياة والخصوبة إلى الأرض. معًا، تُشكّل هذه الممارسات نظامًا طبيعيًا متكاملًا يدعم الإنتاجية ويُعزز الاستدامة البيئية.

Facebook
WhatsApp
Telegram
LinkedIn

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

WeCreativez WhatsApp Support
مرحباً، كيف يمكنني المساعدة؟